يُحاط الأطفال حاليا ًبالعديد من وسائل الميديا المتطورة والاتصالات الحديث والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من مفردات الحياة اليومية. اذ يلاحظ الأطفال آبائهم وهو يقومون بإجراء المكالمات الهاتفية أو كتابة رسائل البريد الالكتروني، أو التنقل بين منصات التواصل الاجتماعي والدردشة مع الأصدقاء. وهنا يظهر التساؤل عما اذا كانت وسائل الميديا الحديث تؤثر على تعلم الكلام واللغة لدى الأطفال أم لا .
حيث أثبتت الدراسات الحديثة التي أظهرت أن مشاهدة الأطفال ما بين عام وثلاثة أعوام للتلفاز أو الحاسوب وغيرهما من وسائل الميديا الحديثة لفترة طويلة. يمكن أن تتسبب في اضطراب نموهم وتطورهم والاضرار بصحتهم بشكل عام، ويعود ذلك إلى عاملين رئيسيين هما الجلوس لفترات طويلة أمام هذه الوسائل. والثاني هو التتابع السريع للصور خلال المشاهد التي قلّما يمكن لعقل الطفل أن يعالجها .
وفي هذا قالت اختصاصية التخاطب الألمانية سونيا أوتيكال أن وسائل الميديا الحديثة لها تأثير غير مباشر فقط على تعلم النطق والكلام لأن القدرة اللغوية. وكذلك اضطرابات الكلام واللغة ترتبط في جزء كبير منها بالجينات الوراثية، ومع ذلك لا يتعلم الأطفال النطق والكلام إلا من خلال الحوارات مع الأشخاص. في بيئتهم المحيطة وتواصلهم مع آبائهم .
وهناك عدة عوامل تؤثر على تطور اللغة لدى الأطفال فمثلا ًهناك الكثير من النقاشات التي تدور حول تأثير مشاهدة التلفاز على تطور اللغة لدى الأطفال. حيث ثبُت لاحقا ًأنه ليس من الضروري أن يكون تأثير مشاهدة التلفاز سلبيا ًعلى الأطفال، اذ أن مشاهدة التلفاز لا تؤدي إلى اعاقة التطور اللغوي لدى الأطفال. بل على العكس تماما ًمن ذلك فإنها إما أن تكون ذات تأثير ايجابي أو لا يكون لها تأثير على الاطلاق .
أما فيما يتعلق بالهواتف الذكية ووسائل الميديا الأخرى فقد تؤدي إلى حدوث بعض الاضطرابات اثناء تعلم النطق والكلام وذلك عندما تنشغل الأم عن طفلها. فترة طويلة دون التحدث إليه أو شرح له بعض الأشياء التي يراها أمامه، وترتبط درجة التأثير على اللغة بمحتوى وسائل الميديا والخبرات. التي يتعرف إليها الطفل في الخارج أيضا ً.
بالإضافة إلى أن خوف الآباء من أن تحل لغة الدردشات الالكترونية ومحادثات مواقع التواصل محل لغة الحياة اليومية ليس مبررا ًعلى الإطلاق. اذ أن الأطفال يمكنهم التعامل بعدة أكواد لغوية بجانب بعضها البعض .
وبشكل عام يعتبر الاتصال المباشر مع الطفل، والشرح والتوضيح اللغوي للأعمال والمواقف اليومية التي تحدث أمامه من الأمور المهمة جدا ًعند تعلم النطق والكلام. وينطبق ذلك أيضا ًعلى تعابير الوجه والايماءات الحركية التي يراها الطفل .
لذا ينبغي أن يحرص الآباء على وجود فترات يتم التخلي فيها عن الهواتف الذكية أو أجهزة الحاسوب أو أي من وسائل الاتصال الرقمية. وذلك لأنه تعلم الطفل للنطق واللغة يتوقف على مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال والآباء في استعمال الهواتف الذكية أو الحاسوب. اذ يجب اجراء الحوارات بين الأطفال والأشخاص الآخرين لأن المناقشة تعتبر من أهم الأمور للأطفال من أجل التدريب على مهارات التواصل واللغة والكلام .
مواجهة التلعثم :-
اذا كان بعض الأطفال الأصحاء يعانون من بعض مشاكل النطق فيمكن اتباع استراتيجيات بسيطة من أجل التغلب عليها. فيمكن للآباء أن يعلموا أطفالهم أن هذا الأمر يتوقف على المحتوى وليس على شكل الكلام المنطوق. وذلك يسري بصفة ٍخاصة في السنوات الأولى للطفل الذي يقوم فيها بتكرار الكلمات والجمل عدة مرات. ومن الأفضل عدم التركيز على مشكلة التلعثم في الكلام لدى الأطفال ولكن تكرار الطفل للكلام بشكل سلس .
وتتمتع هذه الاستراتيجية بميزتين :
– من ناحية أن الطفل يتحدث بشكل سلس .
– ومن ناحية أخرى يتم نقل رسالة إلى الطفل بأن كلامه مفهوم رغم مشكلة التلعثم .
ويمكن التأثير بشكل ايجابي على اضطرابات النطق والكلام في معظم الحالات من خلال الاستعانة بطرق خاصة لعلاج التلعثم. حيث أوضحت الخبيرة الألمانية يوتا ريترفيلد أن وسائل الميديا التي لا تشتمل على صور قد تعمل على تطوير اللغة وتعزيز عملية النطق والكلام. وأضافت أيضا ًبأن ” الأعمال الفنية الاذاعية تساعد على تذكر السياقات اللغوية بشكل جيد” .
أما اذا كان الطفل يعاني من اضطرابات في تطور اللغة مثل اضطرابات النطق والكلام يجب خضوع هذا الطفل للتشخيص وعلاج التخاطب. اذ أن الكثير من الأطفال يتغلبون على مثل هذه المشكلات عندما يعيشون في بيئة محيطة غنية ومعززة بالحوارات والنقاشات مع الأطفال .
ولتجنب كافة الآثار السلبية السابقة يفضّل أن يستغني الأهل عن مشاهدة التلفاز أثناء تناول الطعام مثلا ً، اذ ينبغي عليهم التحدث إلى الطفل. وتشجيعهم له على ممارسة الحركة واللعب، بالإضافة إلى قراءة قصص مثلا ًله بصورة منتظمة بدلا ًمن مشاهدة التلفاز .