كيف تتعامل مع طلبة الصف الأول.. بعد حرمانهم من الروضة؟
مرحلة عمرية مختلفة وتجربة حياة جديدة يختبرها الصغار في بداية أيام الصف الأول الذي ينتقل فيه الطلبة من مراحل الطفولة والتعليم بـاللعب، إلى حياة الانتظام والدراسة، بيد أنها لهذا العام مختلفة بكل مقاييسها لمن لم يعيشوا تجربة تعليم رياض الأطفال، التي تمهد للمدرسة.
طلاب لم يعيشوا اللعب بالرمل، لم يكتبوا تقاطيع الأحرف مع معلمة الروضة، بسبب آلية التعلم عن بُعد التي لم يكن لصغار الروضة فرصة فيها لممارسة تلك الحياة الجميلة، لكنهم اليوم يجدون أنفسهم أمام معلمة ولوح وطباشير، ومطالبين بأن يكونوا ملتزمين بحياة نظامية جديدة.
هذا الأمر كان له كبير الأثر في الأطفال، الذين، كما وصفتهم والدة أحد الأطفال، يعودون مصدومين، وبدا ذلك لها بعد أن رافقت طفلتها في اليوم الأول إلى المدرسة، ورغم أنها أم لثلاثة أطفال في صفوف متفاوتة، لكن لم تشعر معهم بهذا الشعور الذي تختبره الآن مع ابنتها الصغيرة.
وتقول والدة أحد الأطفال إنها حرصت على أن تهيئ ابنتها دراسياً خلال فترة التعلم عن بعد، ولكنها لم تكن قادرة على تعويضها عن حياة الروضة وتفاصيلها الجميلة التي حرمت منها كباقي أقرانها لهذا العام، لذلك ازداد عبء الصف الأول على الطلبة وذويهم وبسبب تعقيدات جائحة كورونا.
وخلال اليوم الأول للصف الأول، حرصت العديد من المعلمات على أن يكن على قدر من المسؤولية لاستقبال طلبة الصف الأول، الذين لم يستطع غالبيتهم إخفاء دموعهم وخوفهم من هذا العالم الذي يقتحموه أول مرة، ليكونوا أكثر عرضة للخوف والتردد.
في إحدى ساحات المدارس الخاصة، وقفت المعلمتان رشا وزينب لاستقبال طلبة الصف الأول بكل ود وتفاعل، في محاولة لتخفيف حدة الخوف لديهم، بعد انفصالهم عن أمهاتهم اللواتي حضرن من بعيد لمراقبة أطفالهن في أول يوم لهم في المدرسة، وبقيت المعلمتان تنتظران لفترة من الوقت، حتى يتقبل الصغار الدخول للمدرسة، ومن ثم تشجيعهم على اللعب ومساعدتهم على بناء علاقات اجتماعية مع أقرانهم.
حاولت المعلمات أن يجدن أجواء تخفف من حدة هذا التوتر، من خلال تنظيم مسابقات ترفيهية لهم، كما في كل عام عند استقبال طلبة الصف الأول، ولكن، لا يمكن إخفاء صعوبة هذه المرة، التي كان الأطفال ينظرون إلى محيط المدرسة وأجوائها بكل استغراب، إذ يحتاج فيها الطالب إلى التروي والتعامل معه بطريقة سلسة وأمومية حتى يشعر بالراحة وينطلق في مدرسته بكل سعادة، كما تؤكد المعلمة رشا.
التأثير النفسي الذي قد يلحق بالطلبة خلال هذه الفترة، كما يبين الاختصاصي النفسي التربوي الدكتور موسى مطارنة، هو أن العودة للمدارس بالنسبة للأطفال هي بطبيعة الحال فترة مفصلية لهم، ويمكن وصف من هم بالصفين الثاني والثالث الأساسي أنهم يعانون كذلك الحال ذاتها، كونهم لم يعيشوا مرحلة المدرسة الحقيقية خلال العام ونصف العام الماضيين، لذلك هذا يتطلب تهيئة نفسية من الأسرة والمدرسة في الوقت ذاته.
ويشير مطارنة إلى أن التحفيز والتهيئة والتعامل معهم بطريقة محببة من خلال أنشطة وألعاب خلال أول أسبوعين من الفصل، وأن تكون الحصص الدراسية قليلة، حتى يبدؤوا بتقبل الوضع، مع التساهل من قبل المعلمين، وعدم التدقيق على كل تصرفاتهم في الصف، حتى يصلوا لمرحلة إدخالهم إلى الأجواء المدرسية بشكل مباشر، هذه الإجراءات، على الرغم من بساطتها من قبل الأهل والمعلمين، إلا أنها تسهم في إيجاد أمن نفسي لدى الأطفال، حيث عاش الطفل مع أهله فترة طويلة ولم يختبر التعامل مع الآخرين خارج نطاق العائلة، وهذا يجعله سريع التأثر بتصرفات الآخرين، وحتى وإن كانوا معلمين، ولكن إذا كان هناك احتواء واستقطاب للطفل يستطيع أن يتعود ويتقبل وينظم عاداته الجديدة، ويتحمل ظروف الدراسة بعد ذلك،
الاستشارية والخبيرة التربوية انتصار أبو شريعة، تتحدث عن كيفية التعامل مع الطلاب في أول أيام الدراسة، إذ على المعلم مراعاة اختلاف أطباع الطلاب وأعمارهم وظروفهم، خاصة في الأيام الأولى من العام الدراسي، ففيها تتكون لدى الطلاب ردة فعل تجاه المعلم، وعليه أن يتعامل معهم بأسلوب خاص لكسب ثقتهم ومحبتهم على مدار العام الدراسي، فالطالب يراقب طوال الوقت.
ومن أهم النصائح التي تقدمها أبو شريعة للمعلم في هذه المرحلة، أن يتجنب الدخول للصف لأول مرة بالصوت العالي ومن الأفضل الدخول بصمت والنظر إليهم ليعم الهدوء التام في المكان، وإلقاء التحية بصوت مسموع مع ابتسامة بسيطة ومن ثم السماح لهم بالجلوس مباشرة، والترحيب بالطلاب بكلمات أمومية، كما أن هناك طرقا لجعل اليوم الأول في المدرسة مميزا ومحببا كالتقاط الصور مع الطلاب كذكرى جميلة للاحتفاظ بها أو طباعتها ووضعها زينة على أحد جدران الصف والطلب منهم التعبير عن مشاعرهم في اليوم الأول بلغتهم البسيطة، وطمأنتهم بأن المعلم هنا يساعدهم وينصت لهم ويسمعهم.
كما يمكن طرح سؤال، ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟، وهو السؤال الذي يكون عادة في بداية السنة الدراسية، ومن الممكن إضافة لمسة جميلة من خلال توثيق طموحاتهم على لوحة داخل الصف مع صورهم، كما تقول أبو شريعة، وعمل وجبة جماعية لهم، وإشعارهم بأن الصف بيت آخر له وأن المعلم هو رب الأسرة فيه، ولا ننسى تأكيد إضفاء الشعور الأمومي والأبوي في التعامل مع الصغار حتى يتم تعويض الفاقد النفسي ببعدهم عن الأهل.
العديد من الدراسات النفسية التربوية، نشرها علماء وتربويون، تشدد على أهمية مرحلة رياض الأطفال، فهي عبارة عن تهيئة للمدرسة، ويجلس الأطفال جميعاً مع أقرانهم بالمرحلة العمرية ذاتها، ويعتادون فيها بناء علاقات خارج نطاق الأسرة، بيد أن هذه الخطوة لم يمر بها الطلبة بسبب “التعلم عن بعد.
ويطالب مطارنة، معلمي المرحلة الأولى من المدرسة، بفتح المجال للطلاب للتعبير عن أنفسهم والتقرب منهم، وتعريفهم بمختلف عناصر ومرافق المدرسة وليس فقط صفهم الصغير، إلى ذلك، تعليمهم مهارات الحياة والتعامل بود مع المعلمات والزملاء، فذلك سيولد عندهم حالة من الارتياح وإبراز الذات بين الأقران، وأن يكون هناك أجواء تفاعلية تحسن مهاراتهم، مع إعطاء أهمية كبيرة للتعلم باللعب في هذه المرحلة.